بين الحرب والمجاعة.. نساء غزة العاملات يفقدن أعمالهن وأحلامهن تحت الركام

بين الحرب والمجاعة.. نساء غزة العاملات يفقدن أعمالهن وأحلامهن تحت الركام
فلسطينية بين الأنقاض والغبار في غزة - أرشيف

تتواصل معاناة النساء العاملات في قطاع غزة، رغم توقف الحرب، إذ تواجه آلاف العاملات تراجعاً حاداً في إنتاجيتهن نتيجة الحرب الطويلة والمجاعة المتفاقمة، ما أثّر بشكل مباشر على جودة العمل وكميته داخل المنزل وخارجه.

وأكدت شهادات ميدانية أن استعادة الأداء والإنتاج في ظل هذه الظروف باتت تتطلب إعادة تأهيل شامل للعاملات وتحسين مقومات الحياة الأساسية، خاصة في ظل الانهيار شبه الكامل للبنية التحتية والخدمات العامة، بحسب ما ذكرت وكالة “JINHA”.

وأفادت منظمات محلية وتقارير إنسانية بأن الحرب التي امتدت لأشهر حوّلت حياة النساء في غزة إلى صراع يومي من أجل البقاء، وأصبح العمل، سواء داخل المنزل أو خارجه، مهمة شبه مستحيلة في ظل ندرة المياه والطعام وفقدان الأمن.

وأكدت المصادر أن تراجع الإنتاجية لا يرتبط فقط بنقص الموارد، بل أيضاً بالحالة النفسية المنهارة التي تعانيها النساء، إذ فقدت كثيرات منهن منازلهن ومشاريعهن الصغيرة، بينما ترزح أخريات تحت أعباء العائلة في المخيمات والخيام.

بين الركام وطوابير الحياة

روت العاملة الغزية منى عكيلة، وهي سيدة فقدت منزلها ومشروعها الخاص بالمخبوزات، أن حياتها بعد الحرب "لم تعد كما كانت" قبل اندلاعها في أكتوبر 2023.

وقالت إن العمل قبل الحرب كان يحمل طاقة وأملاً، وإن النساء كنّ يسعين لتحقيق أحلام كبيرة رغم الصعوبات، أما اليوم فمعظمهن يسكنّ في خيام، ويقضين ساعات طويلة في طوابير للحصول على الماء أو الطعام من التكايا، وسط مشادات يومية بسبب الجوع ونقص الموارد.

وأوضحت منى أن الإنتاجية داخل المنزل وخارجه تراجعت بشكل غير مسبوق، إذ كانت تنجز في السابق أعمالها المنزلية وسرعان ما تنتقل إلى عملها الخارجي، أما الآن فقد فُقد النظام اليومي تماماً.

وأضافت أن "المصائب لا تأتي فرادى"، فالحياة اليومية تحولت إلى طوابير ومعاناة متواصلة، مشيرةً إلى أن معدّات مشروعها من أفران وأدوات خبز باتت تحت الأنقاض بعد قصف منزلها.

غياب القانون والإنصاف

انتقدت العاملة منى عكيلة غياب القوانين الحامية للعاملات في القطاع، مؤكدة أن أصحاب العمل لا يقدّرون الوضع الإنساني ولا يأبهون بالضغوط الجسدية والنفسية التي تعانيها النساء.

وأشارت إلى أن كثيراً من المؤسسات الخاصة والعامة تهدد بقطع الأجور أو الاستغناء عن العاملات في حال انخفاض الإنتاج، دون مراعاة لحجم الكارثة التي يواجهنها.

وشددت على أن "المرأة الغزية بطبيعتها عاملة ومنتجة، وقد أثبتت قدرتها في السنوات الماضية على النجاح في المشاريع الصغيرة والعمل المؤسساتي، لكنها اليوم تُترك وحدها تواجه انهياراً كاملاً في كل مقومات الحياة".

وطالبت منى المؤسسات الإنسانية والنسوية بالوقوف إلى جانب النساء، وتوفير فرص عمل بديلة ودعم نفسي واجتماعي لهن في ظل هذه الظروف القاسية.

إحياء مقومات الحياة

من جانبها، أكدت الناشطة في العمل المجتمعي مروج الجرو أن الحرب جعلت تنفيذ الأنشطة والمؤسسات الاجتماعية أمراً بالغ الصعوبة، مشيرةً إلى أن العاملات يعانين من إرهاق ذهني وجسدي يمنعهن من استعادة أدائهن السابق.

وقالت الجرو إن “المرأة كانت تعمل قبل الحرب بمعدل ثماني ساعات يومياً، أما الآن فهي بالكاد تعمل ساعتين أو ثلاثاً في اليوم، وغالباً على فترات متقطعة”، مضيفة أن معظم العاملات فقدن القدرة على التركيز بسبب الصدمات المتكررة وانعدام الاستقرار.

ودعت إلى ضرورة إعادة تأهيل النساء العاملات عبر برامج دعم نفسي ومهني، وربطهن بالواقع الجديد الذي فرضته الحرب، إلى جانب توفير أساسيات الحياة كالمياه والغذاء والمأوى اللائق.

وأكدت أن “تحسين الأداء لن يتحقق إلا بتحسين الحياة أولاً”، مشيرة إلى أن كثيراً من النساء يعملن الآن في ظروف غير إنسانية داخل خيام أو منازل مهدّمة جزئياً.

معاناة بلا نهاية

تُجسد معاناة النساء في غزة وجهاً آخر للحرب.. وجهاً لا يُقاس بعدد الصواريخ أو الخسائر المادية، بل بكمّ الأحلام التي تهاوت تحت الركام.

وتُظهر شهادات العاملات أن المرأة الغزية لا تزال رغم الألم تحاول الوقوف من جديد، مدفوعة بغريزة البقاء وحب الحياة، في انتظار العودة للعمل والإنتاج لا من أجل لقمة العيش فقط، بل من أجل استعادة إنسانيتها وكرامتها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية